وما أجمل هندسة النحاة ومن ذاق عرف في تنسيقهم جنس الكساء بين الرجال والنساء وفق الشريعة الغراء {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُّنْثَيَيْن} . حيث أجرى الله على لسان ناظمهم:
وما بتا وألف قد جمعا
يكسر في الجر وفي النصب معا
وبديهي أن الكسرة نصف الياء التي يعرب بها ما سلم فيه بناء مفرده من جمع المذكر نصبا وجرا وإلى ذلك الإشارة من قول ابن مالك:
وبيا اجرر وانصب
سالم جمع عامر ومذنب
فإن قال نحوي عصري إن الواو وليدة الضمة, وإن الكسرة أم الياء, فكيف يفوق الفرع أصله, فقل لهذا الأعشى وأنت لا تخاف ولا تخشى: إن بين علامات الإعراب وأشراط الساعة نسبا وصهرا فلا بدع أن تلد الأمة ربتها ولا غرابة في سمو بنت عدنان كما سما برسول الله عدنان.
وإن لغة القرآن لتتوارى من القوم من سوء ما ينطقون به وتلوكه ألسنتهم من جمع كلمة (مدير) على (مدراء) ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير حيث يستعيضون عن السمحة بالسمحاء في وصف شريعة السماء, وهذان لحنان فاحشان يأباهما القياس الصحيح وينفر منهما ذوق العربي السليم ولا تقرهما نظرية الإمام ابن جني في خصائصه ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب.
فإن كان الكرام الكاتبون يقيسون السمحاء على الغراء والبيضاء فقد طاش قياسهم لأن موازن أفعل فعلاء مذكرا ومؤنثا إنما يطرد فيما دل على لون أو عيب أو حيلة, من ذلك قول أفصح من نطق بالضاد عليه الصلاة والسلام:"تركتكم على المحجة البيضاء". وقول الواصف العربي (يوم أغر وليلة غراء) وسوى ذينك كثير مما فاضت به ألسنة الشعراء وسالت معه أودية الكتاب والخطباء.