يا له من شعور دقيق بالمسئولية، وإحساس رقيق بالتبعة، ليس هناك شعور يحاكيه ولا إحساس يدانيه.. إنه إحساس النبوة وشعور الرسالة، والرسالة رحمة للعالمين، فلا عجب إذا لمسنا هذه الرحمة وقد مست القريب والبعيد، بل آثرت البعيد على القريب واكتفت بأذكار يتسلى بها الأهل، ويأنس الآل بتردادها صباح مساء. وليس هناك أحد أحرص على ما سمع من أهل بيت النبوة وخريجي دار الرسالة، وحسبهم وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهم بها سلوة وأعظم سلوة.
ما أحلى هذا الحديث، وما أحوجنا في هذه الأيام أن نفهم معناه ونسير على مقتضاه، كأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يتخطى الحجب، ويرقب بعينيه النفاذتين حال هذا العصر وصورة أهل هذا الزمان؛ أولئك الذين يلون أمور العباد فيصرفونها على هواهم، ويحرمون من بعد عنهم، حتى سلب النفعيون من ذوي الحقوق حقوقهم، وتقدموا عليهم دون أن يكون لهم سبق في فضل أو خلق أو خبرة أو معرفة إلا معرفتهم بما يرضي أسيادهم من الملق والنفاق والرياء والدس والوشاية حتى انتشرت الرذائل وعمّ الفساد، وضج الناس بالشكوى.
أرأيت كيف حارب الرسول صلى الله عليه وسلم الفساد, حتىلم يدع له طريقاً يسلكه، أو باباً يطرقه, وكيف بدأ بأهله فقطع أطماعهم، وعوّدهم الرضا والقناعة، وعلّمهم أن يتعبوا ويكدوا ويتحملوا حتى يستريح ضعفاء المسلمين، ويهنأ بال الفقراء والمساكين.