لكن المستشرقين يتدخلون بشخصياتهم وآرائهم وأهوائهم الخاصة فيفسرون الحوادث ويناقشون النصوص التشريعية، ويحللون قضايا اللغة العربية وشخصيات الحضارة الإسلامية، كل ذلك يدرسونه من وجهة نظرهم ويطلون عليه من نافذتهم الخاصة فيلقون عليه ظلالا معينة تغير معالم الصورة الأصلية، وفي غالب الأحيان تعطينا دراساتهم صورة غربية مشوهة لحضارة شرقية، وتقدم لنا الإسلام نفسه من خلال نظرة علمانية أو نصرانية هذا مع أنه توفرت للمستشرقين من الإمكانيات والعوامل المساعدة ما لم يتوفر لأحد، خاصة عندما بسطت أوروبا نفوذها وسيطرتها الاستعمارية على منطقة العالم الإسلامي وفتحت الأجواء فسيحة للمستشرقين يتجولون في المنطقة بحرية تامة ويعبثون بمصادر الثقافة فيها ومعالم الحضارة.
بل ويستولون على كثير من المخطوطات الثمينة التي تشكل بمجموعها صرح المكتبة الإسلامية الكبرى، فينهبون هذه المخطوطات وينقلونها إلى أوروبا..
حتى أضحى بإمكاننا أن نجزم أن ٩٠% من المخطوطات الثمينة نهبت وانتقلت إلى الغرب إلى مكتبات وجامعات أوروبا وأمريكا، وذلك على أيدي المستشرقين الذين كانوا ينتقونها بخبرة ومعرفة دقيقتين.. ولولا تنبه حكومة الخلافة العثمانية في أواخر أيامها إلى هذه الخطة ومدى خطرها على تراث المسلمين فعمدت إلى نقل كمية كبيرة من تلك المخطوطات إلى تركية لجزمت بأن التراث كله نهب وانتقل إلى يد المستشرقين. ووضعت أوروبا النصرانية تحت يد المستشرقين كل الإمكانيات التي يحتاجونها للتعمق في دراساتهم للعالم الإسلامي واللغة العربية..
فكيف يصعب بعد ذلك على المستشرقين إن يبرزوا للعالم إنتاجا ضخما منسقا وغزيرا في مادته، إنها نتيجة طبيعية لتلك العوامل المساعدة والجهود المبذولة.. ولا نكون مجاملين لأحد عندما نقول إن دراسات المستشرقين أدت خدمات في مجالين: