وعندما يناقض ثقافة أو شريعة ما ينبغي أن تصدر مناقشته عن تصور سليم كلي لخصائص تلك الثقافة ومميزات تلك الشريعة وأسسها وإلا فإنه يخلط بين الأشياء خلطا يفقد رأيه كل قيمته العلمية..
وكذلك الأدب تختلف فيه المقاييس والأذواق من أمة لأخرى، ولكل أمة لون من ألوان الفنون والآداب يكون مستحسنا لديها حسب أذواقها ومقاييسها وقد لا يكون كذلك في أذواق أمة أخرى ومقاييسها.. فلا يكون الحكم دقيقا ولا التحليل سليما إذا لم يتذوق الدارس لأدب أمة ما بذوقها هي أولا.. فإذا ما حاول الإنجليزي أن يحكم على الأدب العربي بذوق إنجليزي فإنه يخلط شعبان برمضان ولا يكون لدارسته الأدبية حينئذ أية قيمة علمية..
وهذا الأساس في الدراسات الأدبية لا شك مفقود لدى المستشرقين فتذوقهم للغة العربية وآدابها ضعيف لأنهم لم يستطيعوا التخلص من تأثير أذواقهم الأوروبية، وإنك واجد أثر هذا الذي أقول في سائر دراساتهم للأدب العربي واللغة العربية، مع أنهم أحيانا يعبرون عن ضيق صدورهم بهذه الناحية كما ذكر أحد تلاميذهم من العرب وهو الدكتور صفاء خلوصي (في مقالة نشرت في مجلة الإذاعة البريطانية العدد٢٩٥ مايو ١٩٧٣) إذ قال: قال لي أحد المستشرقين الذين مضوا للقاء ربهم: باعتقادي أن المرء يجب أن يولد عربيا ليتذوق الشعر العربي حق التذوق فإذا استطعت أن تكتب لنا كتابا بالإنجليزية يساعدنا في تذوق الشعر العربي على الوجه الصحيح فسيكون عملك هذا عظيما. اهـ.
٢- فإذا انتقلت من العربية لغتها وآدابها إلى الإسلام عقيدته وشريعته وتاريخه وحضارته فهناك ترى الخلط العجيب، إذ كيف يتسنى للمستشرقين أن يتفهموا طبيعة الإنسان المسلم وخصائصه أولا وهم ينظرون إليه بل إلى أهل الشرق جميعا من نافذة أوروبية ترى أن الشعوب الأوروبية أعلى وأشرف عرقا وجنسا وأن بقية الشعوب دونها رتبة.