للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [٥] فالمسلم الآن قريب منه في كل مكان ويدعو له دائماً وأبداً، وكيف لا يدعو له ويتضرع إلى مولاه، وهو صامد في وقفته الرائعة لكي يكمل هذا البناء الراسخ بعلمه الغزير وخلقه النبيل، وأدبه الرفيع وأصالته النسبية، فرأيت الرجل منساقا في هذا الحديث وهو يبكي بكاء فرحٍ واستبشار، ويطيل نظرته إلى البيت العتيق، ويرفع يديه المرة تلو المرة ويقول: اللهم أوجد للمسلمين كياناً مستقلاً من هذا العالم الذي يسير في ركاب الجاهلية الجهلاء، والضلالة العمياء إلا ما شاء الله ذلك الكيان المبارك الذي ستتبعه الدنيا كلها، وتتأثر منه تأثراً عميقاً، فترجع إلى الحق والهدى، وهذا الكيان المنشود قد بدأت بوادره، وظهرت في الأفق معالمه، فمؤتمر لاهور الإسلامي العظيم الذي حضر فيه غالب رؤساء وملوك الأمم الإسلامية، والذي ظهر فيه المسلم الأسود، والأبيض، والعربي والعجمي والأفغاني، والفارسي، والتركي وغيره على مائدة واحدة بعد مضي قرون على تفرقهم بهذا المستوى الأعلى، فكان الفضل الأول بعد الله عز وجل يرجع إلى هذا المخلص الأمين البار، فكان هذا المؤتمر وقبله مؤتمر الدار البيضاء الإسلامي مظهراً مباركاً تجلت فيه الأخوة الإسلامية فوق جميع الاعتبارات وإلى هذا العمل المبارك يشير القرآن الكريم {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [٦] ، ولقد كنت أستمع إلى الإذاعات العالمية حينئذ فكأنها أصابتها دهشة كبيرة وهزة قوية لما لهذا