٣- إن فعل عمر لا يعتبر تغييرا لحكم السرقة: ذلك التغيير الذي لا يسوغ لأحد أن يقوم به غير الشارع وإنما هو تقديم للمانع على المقتضي، ومن المتفق عليه في أصول الفقه أنه: إذا اجتمع المانع والمقتضي قدم المانع، والمانع هنا من تطبيق الحكم هو شبهة الضرورة، والحدود تدرأ بالشبهات. وإذا منعت الضرورة من تطبيق حكم المنع لا يسمى تغييرا للحكم، وإلا للزم أن تكون الضرورة لأكل الميتة مغيرة لتحريمها ومحللة إياها ولا قائل بذلك إطلاقا، كل ما هنالك أن الاضطرار كان سببا للرخصة في أكل الميتة مع بقاء التحريم على ما كان عليه دون تغيير. وتسمية فعل عمر رخصة أولى من إدراجه ضمن الأحكام المتغيرة بتغير الزمان، بل إن ذلك متعين.
٤- إن اعتبار فعل عمر من تخصيص العام أولى من جعله تغييرا للحكم بتغير الزمان، ذلك أن قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} عام نظرا للفظ (السارق) إذ هو مفرد معرف باللام، وإذا لم يكن هنالك عهد ولم يتعذر الحمل على الاستغراق كما هنا فإنه يحمل على الاستغراق. قد وردت أدلة استقي منها أن الضرورة لها أثرها في المنع من تطبيق الحكم، فتكون مخصصة للعمومات التي منها هذه الآية فتكون الآية مخصوصة في تطبيقها بغير حالات الضرورة، ولعل عمر رأى أن الضرورة ألجأتهم إلى السرقة في عام المجاعة.
كما أن حديث:"ادرءوا الحدود بالشبهات" يصلح أن يكون مخصصا لعموم الآية، ولا يضير أن يكون الحديث ظنيا، لأن الآية بعد تخصيصها بمخصصات أخرى كالأحاديث المبينة لشروط السرقة الموجبة للقطع، تكون دلالتها على الباقي ظنية فيقوى الظن على تخصيصه.
هذا هو مسلك الأصوليين في مثل هذه المسألة. وهو أمر يخالف مسلك الدكتور الدواليبي.