فإذا وجدت الرغبة الصادقة الخالصة في التعليم، فسوف يجد صاحبها في هذه المهنة لذةً ومتعة، تنسيه المتاعب، وتذلل المصاعب، وتوقد في صدره العزيمة، فيدخل على تلاميذه ووجهه يطفح بالبشر، ويصدرُ عنهم وهو مطمئن الفؤاد.
أما الذي لا يرغب في التعليم، وكان قد أخطأ الظن والتقدير في هذه المهنة، فسوف تجده يراوغ فيها كما تراوغ الثعالب، ويذهب إلى غرف التدريس وهو يقتلع أقدامه من الأرض اقتلاعاً كأنما يساق إلى الموت.
فما جدوى هؤلاء وأمثالهم؟ ولم يشقى بهم التلاميذ، وتشقى بهم الأمة، ويحملون أوزارهم وأوزاراً مع أوزارهم يوم يقوم الحساب.
وإذا كنت قد اشترطت في الطالب الذي أُعِدّه للتعليم أن يكون ذا معدلٍ جيد في الدرجات، وصفاتٍ حميدةٍ تلتزمُ الدين ورغبةٍ صادقةٍ في التعليم إذا كنت قد اشترطت ذلك كلّه فلست بناس أمراً رابعاً ذا أهمية عظمى.
ذلك أن يكون ذا صحة جيدة، ولسانٍ مبرأ ٍمن العيوب فصيح، وإذا كان زعماء السياسة وقادة الجماهير وخطباء المنابر إذا كان هؤلاء جميعاً لا يعرفون لهم سلاحاً أمضى من فصاحة اللسان، وسحر البيان، فإن المعلم لأولى من هؤلاء جميعاً أن يكون طلق اللسان فصيح اللهجة واضح الحروف، ذا حنجرة قوية الأوتار مرنان.
والآن وقد عرضت ما ينبغي أن يكون عليه الطالب المختار للتعليم، أرى أن لا غناء له عن سنتين يقضيهما في دراسة علمية ودراسة مسلكية في التربية، وعلم النفس، وطرق التدريس، والتدريب العملي، قبل أن يخرج إلى المرحلة الثالثة مرحلة العمل ومزاولة المهنة.
وهذه الدراسة ليست دراسة جامعية ولا نصف جامعية، وليست دراسة للثقافة العامة، وليست قادرة على أن تؤهل كل معلم لأن يعلم كل مادة من مواد المرحلة الابتدائية.
لهذا كله كان لا بد أن تقوم الدراسة في معاهد المعلمين على شيء من التخصص: تخصصٍ لتدريس الدين، تخصصٍ لتدريس اللغة العربية، تخصص لتدريس الرياضيات والعلوم.. وهكذا..