إن الدارس لأحوال الناس الدينية والاجتماعية والفكرية يلحظ ظاهرة هامة جداً في حياة الناس وهي: أن الناس يجتمعون بناء على اتفاقهم في الدين والعقيدة والفكرة والمذهب.. ويفترقون إذا اختلفوا فيها.. وليست هذه الظاهرة إلا ترجمة لما فطر عليه جنس الإنسان وهو الارتياح إلى من يشاركونه في الدين والعقيدة، والفكرة والمذهب والميل إليهم وموالاتهم والاندفاع لمناصرة قضاياهم والتحمس لها. وبالعكس من ذلك فإنه لا يرتاح إلى من يخالفونه في ذلك ويشعر بغربة دينهم، وينفر منهم، بل ويحاربهم إذا اقتضى الأمر مهما تكن الروابط المادية بينه وبينهم، وما ذلك إلا لأن الآصرة التي يجتمع عليها الناس ويفترقون، هي الدين والعقيدة، أو الفكرة والمذهب وليست اتحاد الجنس والنسب أو الاشتراك في الأرض والحدود الجغرافية أو السياسية وليست هي المصالح والمنافع القريبة.. فهذه كلها أمور عرضية لا علاقة لها بجوهر الإنسان الكريم..
ألا ترى إلى اليهودي كيف يتحمس لقضايا اليهود في العالم ويناصرها، ويوالي قيادتهم ولا يطمئن إلا لليهودي وقد كشف القرآن الكريم لنا كيف يوصي بعضهم بعضاً ويقولون:{وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}(آل عمران: ٧٣)
وكذلك الماركسي (شيوعياً كان أو اشتراكياً) هواه مع العالم الماركسي ودوله وأحزابه الشيوعية والاشتراكية، فيهتم لأخبارهم ويناصر قضاياهم ويدافع عن موقفهم وقضاياهم ويبرر أخطاءهم حتى ولو كانت ضد شعبه هو أو ضد بلده وقضاياه..