وأفاض في هذه الجلسة الثانية الأخيرة عن مناهج التعليم في العالم الإسلامي، تلك المناهج التي هي في حاجة ماسة إلى التغيير الجذري في كثير من الدول الإسلامية لأنها من مخلفات الدول الاستعمارية التي وضعتها حسب رغباتها المادية، وميولها السياسية، وشهواتها الحيوانية لا صلة لها بهذه الأمة المجيدة، وبتاريخها الحافل، ورسالتها السماوية، وضعت تلك المناهج التعليمية في ضوء المكاسب المادية التي تعود على المستعمرين بالفائدة الكبيرة من تخريب أذهان الشباب المسلم، والبعد عن دينه، ورسالته بعداً لا مثيل له في التاريخ، تلك المناهج التي كانت سبباً حقيقياً للفساد الكبير الذي وطد أقدام المستعمرين في البلاد الإسلامية بشكل فظيع. ولم يكن المستعمر ليترك هذه الأراضي الإسلامية والعربية إلا وهو متيقن في نفسه أنه لا حاجة الآن إلى بقائه ظاهراً، لأن الشعب الذي ترك له أرضه هو مستعمر فكرياً رغم أنفه شعر أم لم يشعر، فهذه المناهج التي وضعتها في التعليم والثقافة في بلاده كافية لاستمرار الاستعمار الحقيقي الذي قصده منذ أن وطدت أقدامي على بلاده ووطنه، ولا يمكن له أن يتحرك بحركة أخرى معاكسة ما دام هو مقيد الفكر، والحواس، والشعور في ضوء هذه المناهج التي وضعتها له. نعم قد أقمت الجامعات الكبيرة العالمية في بلادي التي ترتبط بها الجامعات في بلاد المسلمين برباط وثيق. وقد جمعت التراث الإسلامي العظيم من نوادر المخطوطات التي استنار الغرب والشرق من طريقها، وعما فيها من العلوم النافعة، وقد احتفظت بهذا التراث الذي كنت خصصت له جملة كبيرة من الباحثين المستشرقين لكي يحضروا هذا التراث مهما يكلفني من المبالغ الهائلة من بلاد الشرق الإسلامية، وقد نجح في ذلك نجاحاً باهراً، فانظروا فهارس مكتبة جامعة الهارفرد الأمريكية وكذا فهارس جميع الجامعات الأوروبية كجامعة كمبريدج وأكسفورد ولندن وألمانيا، وجامعة سربون الفرنسية بباريس وغيرها من الجامعات