وأقول هذا كلام ليس بمنصف ولا دقيق، إن المسلمين قد اعترفوا منذ البداية بوجود الأمم والدول غير الإسلامية، وكان اعترافهم بها - على الأقل - من النوع الذي يسمى في اصطلاح الحقوق الدولية المعاصرة اعترافاً بالأمر الواقع (De Pacto) وهو الذي يجيء نتيجة تعامل فعلي كعقد الاتفاقيات وتبادل الوفود، وما إلى ذلك، وكلنا يعلم أن المسلمين منذ العهد النبوي عقدوا الاتفاقيات، والموادعات، وتبادلوا الوفود مع الدول والجماعات غير المسلمة.
ولكن هذا الاعتراف الواقعي لا يعني إقرار ما انطوت عليه حياتها من زيغ وانحراف وشوائب، لأن هذا الإقرار ينافي طبيعة الإسلام الذي أخذ على عاتقه تصحيح أوضاع الأمم كلها، وإخراجها جميعاً من الظلام إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى الذي لا يضارعه هدى.
وعلى ذلك فقد كان أجدر بالأستاذ خدوري أن يقول لو أراد رعاية جانب الإنصاف والروح العلمي:"إن القانون الدولي الإسلامي يعترف بوجود الأمم والدول غير الإسلامية ولكنه لا يرضى عن إهمالها وتركها على ما هي عليه من الزيغ والانحراف، لأن ذلك يتنافى والخصائص الذاتية للإسلام".
تبدل وابتعاد:
ومما يؤسف له حقاً أن (هُوّيّة) هذه الأمة لم تبق دائماً على ما كان لها من صفاء وقوة وسمو في العهدين النبوي والراشدي، بل داخلها ولو على بعض المستويات شيء من التبدل الذي ظهرت آثاره في علاقاتها بالأمم الأخرى، على أنها كانت تعود إلى هذه الهوية من حين إلى حين، وحينئذ كانت تعود علاقاتها بالأمم الأخرى إلى أصالتها الأولى، وآثارها الحميدة العظيمة، فإذا عادت وابتعدت عن هويتها هذه عادت فظهرت آثار هذا الابتعاد في تلك العلاقات.