وله طريق ثالث أخرجها الخطيب البغدادي في طلب الحديث من طريق أبي الجارود العبسي، وصحح الحافظ ابن حجر هذا الحديث بقوله في الفتح بعد أن قال:"وأصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين، لأنها التي عهد أنها ذات مخارج، ولا يخفى ما فيه، إذ الصوت قد يكون من غير مخارج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق، ولكن تمنع القياس المذكور، صفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوقين، وإذا ثبت الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به". قلت: ومن هنا كانت دعوى الشيخ الكوثري كاذبة المائة في المائة، أو مجازفة قبيحة، وقد جمع العلامة أبو الحسن بن الفضل جزءا مهما في أحاديث الصوت، أشار إليها الحافظ في الفتح، فلو وجدت لكانت قاصمة الظهر للمنكر؛ وأما قول الحافظ:"إذ الصوت قد يكون من غير مخارج"فنعم فهو صحيح. قال الله تعالى في محكم كتابه في حق السماء والأرض:{فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[٣٠] فهذا خطابه جل وعلا للسماء والأرض، وأمره لهما وهما مخلوقان جامدان لا مخارج لها في الحس، مع أنهما أجابا ربهما بقولهما {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} فإذا كان المخلوق الجامد يسمع منه الصوت بدون مخارج معهودة، فكيف الخالق جل جلاله، وبهذا المعنى ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه سمع صوت الجذع، أي جذع النخلة عندما فارقها إلى المنبر الخشبي الذي صنع له صلى الله عليه وسلم. قال الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر، فلما اتخذ المنبر، وتحول إليه حن عليه، فأتاه فاحتضنه فسكن. قال:"ولو لم أحتضنه لحن إلي يوم القيامة." والحديث أخرجه البخاري والترمذي، والنسائي، وابن ماجة بألفاظ متغايرة [٣١] . وقال الحافظ في الفتح: "وقد نقل ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي،