بيد أن الله أراد - ولا راد لقضائه - أن يرسل رسولا منهم لينقذهم من ظلم فرعون وعتوه. وكأنه يبدو من سنن الله أن الذليل لا يكون رسولا ولا نبيا، فقضت حكمته تعالى أن يبعث لهم موسى، وأن يتربى موسى عليه السلام في بلاط أعز الناس في مصر حينذاك – بلاط فرعون نفسه، حتى ينشأ عزيز النفس قوي القلب، رابط الجنان، مفتول العضلات، ونحن نستطيع أن نسرح بخيالنا ونتصور كيف كان ينشأ أبناء الملوك في قديم الزمان، وقصة وصول موسى عليه السلام وهو طفل رضيع إلى بلاط فرعون في تابوت تدافعه مياه النيل مشهورة معروفة في القرآن الكريم.
نشأ إذن موسى عليه السلام نشأة تخالف ما نشأ عليه السلام أترابه ومن هم أكبر منه سنا من بني إسرائيل، فنشأ شجاعا لا يعرف الخوف، مفتول الذراعين قوي العضلات، وقد قص الله علينا من قوة عضلاته أنه بطش بالقبطي فقتله بلكمة واحدة. "راجع سورة القصص أوائلها " وسقى أغنام شيخ مدين وحده. وتظهر شجاعة موسى عليه السلام كذلك حين فارق صهره شيخ مدين في ليلة باردة مظلمة ومعه أهله، وفي تلك الليلة نال أعظم حظوة في حياته حين كلمه الله وأرسله لإنقاذ قومه بني إسرائيل.
فرسول هذه صفاته هو الذي يمكن أن تنعقد عليه السلام الآمال بعد الله لإنقاذ هذا الشعب المسكين الذليل الخاوي النفس، الذي قاسى الأمرين في حياة العبودية تحت طغيان فرعون وملئه.