ولا تسمح النصوص بجعل الفقر سبباً لتحديد النسل لأنه عرض زائل والأيام دول بين الناس، وإنما تدعو إلى السعي وعدم التواكل والعمل على تكثير النسل وتوجيهه في رحاب الدين إلى العمل المنتج لخير البلاد والعباد. وبهذا يضع الإسلام الحل العادل لمشكلة تزايد السكان التي قذفت في قلوب المستعمرين الرعب وأطاحت بأطماعه، تلك التي شاءوا بها القضاء على وحدة العرب وقوتهم، والله غالب على أمره. ولما كانت الدعوة إلى تحديد النسل خشية الفقر يُراد أن تكون دعوة عامة إليه لوجود الأغنياء قلة بين الأغلبية العظمى من الفقراء، وهو أمر مشهود معروف مع توافر النسل في الفقراء وقلته بين الأغنياء، وفي هذا التحديد شبه العام قضاء على كيان الأمة وإذهاب لريحها، وعدوان صارخ على حرية الإنسان وحق الأسرة لم يقل به قرآن ولا سنة ولا إجماع.
ولما كان قصر التحديد فيما قالوا على الفقراء بحجة وجود الفساد والتشريد في نسلهم، وَوَلَدان في رأيهم خير من ثمانية، وهذا أمر لا يستسيغه عقل، فقد نرى الأكثرية من الفقراء أحرص الناس على حياة دينهم ودنياهم وفي نشئهم الأمل الوضّاء الحافل بجمال العلم ونهضة العمل وجلال الإيمان والجهاد، بينما نرى العكس في أغلبية نشء الأغنياء على قلته، وكم رأينا الأيتام ذوي الفقر والفاقة قد أصبحوا سادة وقادة، بينما انتكس الحال في غيرهم من ذوي اليسار والقوة والجاه.