ولكن هذا لا يمنعه أن يجعل من بعض مراثيه صوراً بارعة، تهز النفوس بما فيها من قوة الحبك وروعة العبرة، كالذي نجده في رثائه لسعد وعمر المختار والحسين وفوزي الغزى، ولقد يبالغ في بعض هذه المراثي كما يصنع في سعد على طريقة أبي تمام:
وانحنى الشرق عليها فبكاها
شيعوا الشمس ومالوا بضحاها
يوشع همت فنادى فثناها
ليتني في الركب لما أفلت
ولكنها مبالغات مقبولة في هذا الموقف، إذ تمثل هول الفاجعة بقائد ركزت عليه الدعاية أنظار مصر والبلاد العربية جميعاً. . ثم يأخذ في تعداد مناقب سعد وأثر موته. . .
من رحيق الوطنيات سقاها
طافت الكأس بساقي أمة
ساحر رن ملياً فشجاها
عطلت آذانها من وتر
ودها الأجيال منه ما دهاها
قدر بالمدن ألوى والقرى
ومن خصائص شوقي في رثائه أنه يتحدث إلى الأموات فيسألهم ويخبرهم، فهو يخاطب الحسين بن علي فيسأله عن السبب الذي دفعه إلى التعاون مع الإنكليز:
كيف غامرت في جوار الأراقم
قم تحدث أبا علي إلينا
ويسأل رياض باشا عن أسرار الموت:
حديث الموت تبد لي العظات
رهين الزمن حدثني ملياً
وكيف مذاقها، ومن السقاة!
سألتك: ما المنية، أي كأس
ويلاحظ أن شوقياً إنما يلجأ إلى ذلك التهويل وهذه التساؤلات والتأملات ستراً لنقصه العاطفي في مواقف الرثاء, على أن أجمل رثائه ما بكى فيه ممالك المسلمين ومدنهم المنكوبة كالحمراء ودمشق وأدرنة، وما بكى فيه زوال الخلافة على يد أياتورك. ففي هذه المراثي يذوب قلب شوقي حسرة وألماً، فيأتي رثاؤه نابضاً بالحس مائجاً بالحياة. وأنى لشاعر غير شوقي أن يعرض مسجد بني أمية في مثل هذه الصورة الحزينة العميقة الباكية: