فالواجب على العبد أن يحذر ربه وأن يستحي منه أن يراه على معصية أو يفقده من طاعته التي أوجب عليه ثم قال سبحانه:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} فأمر المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج كما أمر المؤمنين بذلك صيانة لهن من أسباب الفتنة وتحريضاً لهن على أسباب العفة والسلامة ثم قال سبحانه: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال ابن مسعود رضي الله عنه: " {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يعني بذلك ما ظهر من اللباس فإن ذلك معفو عنه"ومراده بذلك رضي الله عنه الملابس التي ليس فيها تبرج وفتنة. وأما ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالوجه والكفين فهو محمول على حالة النساء قبل نزول آية الحجاب وأما بعد ذلك فقد أوجب الله عليهن ستر الجميع كما سبق في الآيات الكريمات من سورة الأحزاب وغيرها ويدل على أن ابن عباس أراد ذلك ما رواه علي ابن أبي طلحة عنه أنه قال أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة وقد نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم والتحقيق، وهو الحق الذي لا ريب فيه ومعلوم ما يترتب على ظهور الوجه والكفين من الفساد والفتنة وقد تقدم قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ولم يستثن شيئاً وهي آية محكمة فوجب الأخذ بها والتعويل عليها وحمل ما سواها عليها والحكم فيها عام في نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من نساء المؤمنين وتقدم من سورة النور ما يرشد إلى ذلك وهو ما ذكره الله سبحانه في حق القواعد وتحريم وضعهن الثياب إلا بشرطين: أحدهما كونهن لا يرجون النكاح.. والثاني عدم التبرج بالزينة، وسبق الكلام على ذلك وأن الآية المذكورة حجة ظاهرة وبرهان قاطع على تحريم سفور النساء وتبرجهن