وفي أثناء ذلك الزمن كان لي اهتمام بدراسة بلاد الإسلام، والهداية العظمى لمحمد عليه الصلاة والسلام دراسة أدق مما سبق وقد دهشت لما في هذا الدين من الطهارة والحكمة واليسر وشعرت بأن قلبي كله وروحي جميعها مغموران بهذه الهداية التي في غاية الملاءمة للبشر والعقول وقد دعاني القرآن لأتباعه باعتبار أنه خطاب الله تعالى الصادر منه مباشرة إلى رجل هو خاتم الأنبياء، وأننا لعلى علم بحياة هذا الرجل من أولها إلى آخرها وبمقدار الخير الذي أداه دينه إلى العالم وقل من الناس من يعلم أنه بينما كانت أوربا غارقة في ظلمات القرون الوسطى المخيفة كانت الحضارة الإسلامية تنشر نورها فتتقدم به العلوم والفنون والآداب تقدماً مجيداً، وإذا كانت أوربة قد استطاعت أن تجد لها طريقاً إلى التجديد فإنما الفضل في ذلك يرجع إلى خلفاء أسبانية المسلمين المستضيئين بنور الفرقان ومن المؤسف ألا يعلم برقي الشعوب الإسلامية في بلادها إلا النزر اليسير بين غيرهم وإني آنس من نفسي الثقة بأن هذه البلاد سيكون لها في المستقبل القريب عمل ذو شان في التاريخ وهذا السبب مشفوعاً بميلي إلى البلاد الإسلامية هو الذي دعاني إلى إصدار مجلة في مدينة باريس تسمى (جملة الأخبار الإسلامية) هذه هي المجلة الوحيدة المستقلة الموجودة التي تخبر عن رقي البلاد الإسلامية وحياتها أخباراً صادقة وقد تلقاها بالترحاب الشديد جميع الذين يعنيهم العلم بأحوال هذه الحقيقة ورجائي أن هذه الصحيفة المتجردة للمعنويات ستؤدي خدمة كبرى لا إلى المسلمين وحدهم بل للعالم كله..