الجمع الكرام: وتحرك من المدينة جيش الإيمان للقاء جيش الكفران، وبعد ثنية الوداع بقليل، ألقى صلى الله عليه وسلم نظرة وراءه على رجاله فرأى كتيبة حسنة المظهر، فقال:"ما هذا؟ "قالوا كتيبة من اليهود خرجوا مع حليفهم عبد الله بن أبي، يرغبون في تأييد المسلمين، فسأل:"أسلموا؟ "قالوا: لا، يا رسول الله، فقال:"مروهم فليرجعوا، فإنا لا ننصر بأهل الكفر على أهل الشرك"فرجعوا، ومن عجب أن هذا الأمر وقع للمسلمين منذ سبع سنين، دخلوا الحرب معتمدين على دولة كافرة بالله، لينتصروا بها على عدوهم فخذلتهم، وكانت النكسة النكراء، فلما عاودوها بسواعدهم مدرعين بصيحة (الله أكبر) أثخنوا العدو يوم العبور، مما أسال دمه عسكرياً وسياسياً، واحترمنا العالم بما رُئي وسُمع، فيا ليتنا نستمر في المسيرة مع التكبيرة قولا وعملاً، وقد ذقنا لذتها وعزتها، فصلى الله وسلم عليك يا قدوة العالمين، وما كاد ابنُ أبي رأس الخبث يصل إلى مكان تراءى فيه الجمعان، حتى قال كلماته المعروفة "ما ندري علام نقتل أنفسنا، ارجعوا أيها الناس"، فرجع ومنافقوه الثلاثمائة، وصاح فيهم عبد الله بنُ حرام رضي الله عنه محسناً بهم الظن: يا قوم، أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم عند من حضر من عدوهم، فرد ابنُ أبي: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال، فقال رضي الله عنه أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيه، وفي هذا الحوار نزلت الآية:{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ} وانظروا كيف بيتها ابنُ أبي في ليل نفاق، فهو لم يفعل ذلك إلا عندما تراءى الجيشان ليعطي المشركين جرعة معنوية.