كان يقرأ الناس، سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقلت يا أبا الزبير: لم يرو عن إبراهيم [٧٩] ، فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل، إن كان عندك؟ فدخل فنظر فيه، ثم رجع فقال: كيف هو يا غلام؟ فقلت: هو الزبير وهو ابن عدي عن إبراهيم، فأخذ القلم، وأصلح كتابه، وقال لي: صدقت، قال: فقال له إنسان ابن كم حين رددت عليه فقال: ابن إحدى عشرة سنة". قلت: هذه الرواية تدل على عظمة الرجل العظيم في الإسلام في هذه السن المبكرة يوجهه الله تعالى إلى أن يقف هذا الموقف العظيم من معرفة الرجال الذين نقلوا إلينا هذا العلم الشريف، وكان لما ورث من أبيه من مال حلال أثر عظيم في تربيته، وتنشئته ثم قال الحافظ: "قال البخاري: فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء يعني أصحاب الرأي قال: ثم خرجت مع أمي وأخي إلى الحج". قلت: فكان أول رحلة على هذا سنة عشر ومائتين ولو رحل أول ما طلب لأدرك ما أدركته أقرانه من طبقة عالية وإن كان أدرك ما قاربها كيزيد بن هارون، وأبي داود الطياليسي، ثم قال: "فلما طعنت في ثماني عشرة صنفت كتاب قضايا الصحابة والتابعين، ثم صنفت التاريخ في المدينة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم" وقال: "وكنت أكتبه في الليالي المقمرة". قال: "وقل اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة إلا أني كرهت أن يطول الكتاب"ثم ذكر الحافظ رحلة البخاري في طلب الحديث، تلك رحلة عظيمة تعطينا فكرة أصيلة عن اهتمامهم البالغ، وسعيهم الحثيث لحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه جهود فردية قام بها هؤلاء رحمهم الله تعالى في هذا الميدان العظيم وأما الجهود الجماعية فإنها جهود كبيرة شامخة لا يتسع لها هذا الوقت وأرجو أن أوفق لها إن شاء الله في حلقة قادمة.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.