في مرهف وعبى لوحدة أمتنا - وأنا في حمى الحرمين - أسترجع ما كان من أحداث المرحلة الحرجة ما بين سادس يونية المشئوم وعاشر رمضان المبارك. فلا يغيب عني من منطق الهزيمة والنصر، أننا فرطنا في وحدة اللواء وتمزقنا طرائق قددا بعضنا لبعض عدو، وجعلنا من أرض وطننا ساحة لقتال، استنزفت فيه حرب اليمن وحدها قِوَانا لخمس سنين دأبا، وعبثت الأجهزة الإعلامية لتمزيق أقطار الوطن بذرائع الفتنة، تشغلنا عن العدو، وتلهينا عن إسرائيل المزعومة. فحقت علينا الهزيمة الساحقة من قبل أن يدور قتال، وتركنا جيشنا بالعراء غنيمة لعدو فرغ من حصد جنودنا في بضع ساعات معدودات، ومضى يرسخ على أشلائهم وجوده المغتصب، في تحد فاجر ومهين.
حتى رددنا الكرة على العدو في حرب رمضان التي جمعت شتات شملنا المبعثر، بعد طول تصدع وتمزق..
وتمت التعبئة القصوى في أقطار وطننا، للجهاد بالجند والسلاح والمال والبترول بمجرد إعلان القرار التاريخي للرئيس السادات، بحرب التحرير.
لم تنتظر التعبئة اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية أو مؤتمر الدول الإسلامية، ليقرر لكل دولة دورها في دعم جبهة القتال.
ولم تتأخر التعبئة العامة ريثما تبدو بوادر هذا الصدام المسلح في سيناء وعلى مرتفعات الجولان، لكي تحدد كل دولة موقفها وتسأل عما تقدمه من دعم لجيش مصر وسورية، أو تساوم به على ثمن سياسي ووضع مذهبي وتوجيه إعلامي.
بل لم تحسب حسابا لما بينها من اختلاف النظم، والأوضاع، ولا ذكرت ما كان بين الحكام من عداوة وأحقاد..
ضمير الأمة ارتفع بها فوق الفوارق المذهبية والخصومات الفردية.
وحتمية الوحدة، وجودا ومصيرا، استنفرتها للجهاد في معركتها الواحدة ضد عدوها.