أما أول مشروعية الصيام في الإسلام فكان هو صيام يوم عاشوراء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ووجد اليهود يصومونه سألهم عن السبب في صيامه فقالوا له: إنه يوم نجى الله فيه موسى من فرعون فصامه شكرا لله فصمناه وها نحن نصومه، فقال لهم صلى الله عليه وسلم:"نحن أحق بموسى منكم" فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر المسلمين بصيامه, وأرسل إلى ضواحي المدينة مناديه من كان صائما فليتم صيامه، ومن لم يكن صائما فليمسك بقية يومه. وقال صلى الله عليه وسلم:"لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر". أي ليغاير صيامه صيام اليهود بضم التاسع إلى العاشر، وهنا وقفة وتأمل في كلا الأمرين، صيامه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء كصيام اليهود إياه، وصيامه التاسع مع العاشر مغايرة لهم. ففي الأول موافقة لهم في صومهم وفي الثاني مخالفة لهم بالزيادة عليهم.
والواقع أن صيامه صلى الله عليه وسلم لم يكن لمجرد موافقة اليهود بدليل مخالفته لهم بضم التاسع إليه ولتصريحه صلى الله عليه وسلم بأن السبب في صيامه هو السبب الذي دعا موسى عليه السلام إلى صومه وهو امتنان الله تعالى عليه بطريق في البحر يبسا ونجاته من فرعون وقومه فصامه شكرا لله وهذا السبب له أهميته وعظيم مدلوله في جميع الأديان وتاريخ الرسل مع الأمم لأنه إعلان وإثبات لانتصار الحق على الباطل في الصراع الدائم على البقاء وإلى الصلاح والإصلاح بصرف النظر عن الأطراف والأشخاص وعن الزمان والمكان، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:"نحن أحق بموسى منكم". كما بين صلى الله عليه وسلم رابطة النبوة بقوله:"نحن معاشر الأنبياء أبناء علات ديننا واحد". وأبناء العلات هم الإخوة لأب ووحدة الدين في الأصول وفي العقائد فنجاة موسى من عدوه انتصار لدين الله ونبيه. وسواء في المبدأ زمن موسى أو زمن محمد صلى الله عليه وسلم لأنها قضية حق وإظهار عدل. وهذه مبادئ الإسلام والمسلمين.