وقد جرت حكمة العليم الخبير في مشروعية هذا الركن العظيم فبدأ بالتدرج، أولاً يوم عاشوراء ثم فرض مطلقاً من غير تحديد:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ، ثم انتقل من الإجمال إلى التفصيل:{أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} . وإن كانت لم تقيد بعدد إلا أنها مقيدة بجمع القلة أياما معدودات. شبيه بما في قوله تعالى في مبيع يوسف عليه السلام:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} . وكذلك الأيام المعدودات ليهون على النفوس تقبلها، وقد شرع بادئ ذي بدء على التخيير:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} . ثم ألزموا به بعد أن توطنت نفوسهم عليه واطمأنت قلوبهم إليه. فحددت لهم أيامه وانتفى عنهم التخيير في قوله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وبقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} .
وبجانب ذلك نوافل وسنن من الصيام في مناسبات وملابسات أخرى انفرد بها الصيام عن سائر العبادات ما كان منها عاما وما كان منها خاصا.
فمن ذلك صيام يوم عاشوراء وإنه ليكفر سنة كاملة.
ومنها صيام يوم عرفة لمن ليس بعرفات وإنه ليكفر سنة قبله وسنة بعده ومنها صيام الست من شوال وإنها مع رمضان بمثابة صيام الدهر.
ومنها صوم يوم الاثنين؛ يوم ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه فيه.
وغير ذلك - الأيام المطلقة - كالأيام البيض كل شهر ويوم الخميس ... إلى غير ذلك.
كما شرع الصوم جبرانا لنقص أو تفاديا لخطأ، أو خروجا من مأزق؛ فمن صيام الجبران الصيام عن دم التمتع. ومن التفادي للخطأ عدل دم الصيد وجزائه. ومن الخروج من المأزق الكفارة عن الظهار واليمين وغير ذلك.
وهكذا تطور مشروعيته وينفسح تشريعه مما خص به الصيام دون غيره من العبادات.