ومنها أن المسلمين نفروا في زمانه إلى قتال المرتدين ثم إلى قتال الفرس والروم ولم يبق من المسلمين في المدينة إلا القليل فكان المسلمون في تلك الأقطار النائية عن المدينة يكتفون بسؤال من عندهم من الصحابة ويأخذون عنهم الحديث ولا يذهبون إلى الصديق ومن كان معه من الصحابة في المدينة.
ومنها أن المكثرين من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم من صغار الصحابة إنما كان جل روايتهم بواسطة كبار الصحابة كالصديق وعمر وغيرهما من كبار الصحابة وكانوا يكتفون بنسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يذكرون الواسطة بينهم وبينه إلا قليلا لثقتهم بصحة ما نقل إليهم عنه صلى الله عليه وسلم ولهذا تجدهم يقولون في أكثر رواياتهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يذكرون السماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الرؤية لأفعاله إلا قليلا.
وقد ذكر الحافظ بن حجر في كتاب الإصابة في ترجمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه روى عنه عمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وابن عمرو وابن عباس وحذيفة وزيد بن ثابت وعقبة بن عامر ومعقل بن يسار وأنس وأبو هريرة وأبو أمامة وأبو برزة وأبو موسى وابنتاه عائشة وأسماء وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.
وروى عنه من كبار التابعين الصنابحي ومرة بن شراحبيل الطبيب وواسط البجلي وقيس بن أبي حازم وسويد بن غفلة وآخرون انتهى.
ويستفاد مما ذكره الحافظ ابن حجر من رواية هؤلاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة جدا رواها عنه كثير من علماء الصحابة وكبار التابعين ولكن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يكتفون بذكر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يذكرون الواسطة بينهم وبينه لأنهم كلهم أهل صدق وعدالة.