وظاهر كلام أبي تراب أن العلم ملازم للرواية والحفظ فمن كثرت روايته وحفظه للأحاديث مثل أبي هريرة رضي الله عنه فهو أعلم ممن قلت روايته وحفظه. وهذا خطأ ظاهر فليس العلم ملازما للرواية والحفظ وإنما العلم بالفهم لنصوص الكتاب والسنة واستخراج الأحكام منها وإن كان الموصوف بذلك قليل الرواية. قال ابن وهب عن مالك:"إن العلم ليس بكثرة الرواية وإنما العلم نور يجعله الله في القلب" انتهى..
وقد كانت مرتبة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في فهم النصوص واستخراج الأحكام منها فوق مراتب سائر الأمة فهما أعلم الأمة على الإطلاق وقد تقدم بيان ذلك بالأدلة. وأبو هريرة رضي الله عنه وإن كان من علماء الصحابة وأكثرهم رواية وحفظا للأحاديث فلا يقاس بعثمان وعلي ومعاذ وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم في العلم فضلا عن أن يقاس بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما..
وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه ((الوابل الصيب)) : "وأين تقع فتاوى ابن عباس وتفسيره واستنباطه من فتاوى أبي هريرة وتفسيره. وأبو هريرة أحفظ منه بل هو حافظ الأمة على الإطلاق يؤدي الحديث كما سمعه ويدرسه بالليل درسا فكانت همته مصروفة إلى الحفظ وتبليغ ما حفظه كما سمعه. وهمة ابن عباس مصروفة إلى التفقه والاستنباط وتفجير النصوص وشق الأنهار منها واستخراج كنوزها"انتهى..
وأما قول أبي تراب إن أبا هريرة رضي الله عنه غلب الجميع أي غلب أبا بكر وعمر وابن عمر رضي الله عنهم بالعلم مع قوله فيما تقدم إن أبا هريرة رضي الله عنه غلب الصحابة كلهم بعلمه..
فجوابه أن يقال: هذا خطأ ظاهر وخصوصا تفضيل أبي هريرة رضي الله عنه بالعلم على الخلفاء الراشدين فإن هذا ليس بالأمر الهين. وكذلك تفضيل علي ومعاذ وابن مسعود وابن عمر على عمر بالعلم والفقه فكل هذا خطأ ظاهر وليس بالأمر الهين.