قال ابن القيم رحمه الله تعالى في ((إعلام الموقعين)) في الثناء على الصحابة رضي الله عنهم: "إنهم سادات الأمة وقدوة الأئمة وأعلم الناس بكتاب ربهم تعالى وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وقد شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل ونسبة من بعدهم في العلم إليهم كنسبتهم إليهم في الفضل والدين - إلى أن قال - إن ما انفردوا به من العلم عنا أكثر من أن يحاط به - إلى أن قال - فلا ريب أنهم كانوا أبر قلوبا وأعمق علما وأقل تكلفا وأقرب إلى أن يوفقوا لما لم نوفق له نحن لما خصهم الله به من توقد الأذهان وفصاحة اللسان وسعة العلم وسهولة الأخذ وحسن الإدراك وسرعته وقلة المعارض أو عدمه وحسن القصد وتقوى الرب تعالى. فالعربية طبيعتهم وسليقتهم والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين بل قد استغنوا عن ذلك كله فليس في حقهم إلا أمران. قال الله كذا وكذا. وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين وأحظى الأمة بهما فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما - إلى أن قال-: والمقصود أن الصحابة رضي الله عنهم اجتمعت قواهم على تينك المقدمتين فقط. هذا إلى ما خصوا به من قوى إدراكها وكماله وكثرة المعاون وقلة الصارف وقرب العهد بنور النبوة والتلقي من تلك المشكاة النبوية. فإذا كان هذا حالهم فيما تميزوا به علينا فكيف نكون أو شيوخنا أو شيوخهم أو من قلدناه أسعد بالصواب منهم في مسألة من المسائل. ومن حدث نفسه بهذا فليعزلها من الدين والعلم - إلى أن قال - وكيف يطيب قلب عالم يقدم على أقوال من وافق ربه تعالى في غير حكم فقال وأفتى بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن بموافقة ما قال لفظا ومعنى قول متأخر بعده ليس له هذه الرتبة ولا يدانيها. وكيف يظن أحد أن الظن المستفاد من فتاوى السابقين الأولين الذين شاهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التأويل