ولا أعلم أحدا خالف إجماع الصحابة سوى أبي تراب فإن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على تفضيل أبي بكر ثم عمر رضي الله عنهما على سائر الأمة ولم يستثنوا في التفضيل أحدا من الصحابة لا أُمهات المؤمنين ولا غيرهم ولو يستثنوا في التفضيل شيئا من خصال الفضل لا العلم ولا غيره ولم يخالف هذا الإجماع أحد من التابعين ولا من بعدهم من العلماء حتى جاء أبو تراب في آخر القرن الرابع عشر من الهجرة فشذ عن أهل العلم وخالف إجماع الصحابة حيث فضل أمهات المؤمنين على عمر رضي الله عنه وفضل كثيرا من الصحابة على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في حفظ القرآن وفي العلم والفقه. ولم يكتف بذلك بل فضل البخاري في العلم على سائر الصحابة وقد قال الشاعر:
خلافا لقولي من فيالة رأيه.
كما قيل قبل اليوم خالف لتذكرا.
وهذا البيت مطابق لحال أبي تراب غاية المطابقة.
وأما المسائل الاجتهادية التي اختلفت فيها أقوال الصحابة رضي الله عنهم واختلفت فيها الفقهاء بعدهم بحسب اختلافهم فهذه لا يقال فيها إن الفقهاء قد خالفوا الصحابة كما عبر به أبو تراب لأن ظاهر عبارته يقتضي أن الفقهاء قد خالفوا الصحابة كلهم في المسائل الاجتهادية. وهذا خطأ فإن الفقهاء لم يخالفوا جميع أقوال الصحابة في المسائل الاجتهادية وإنما كانوا يأخذون بأقوال الصحابة أو ببعضها ويختلفون بحسب اختلاف الصحابة وإذا ظهر لهم الدليل من الكتاب أو السنة أخذوا به وتركوا ما سواه من الأقوال. هذا هو المعروف عن المحققين من العلماء وليس في فعلهم نقص على الصحابة ولا غض من قدرهم.