هذه أمثلة _ وغيرها كثير _ توضح كيف أن المسلمين حققوا المعاني الإسلامية في تفكيرهم، وأحسنوا تنفيذها في معاملاتهم ورجعوا إليها إذا انحرفوا عنها تحت تأثير شهوة أو غفلة أو ميل لإيمانهم بتلك التعاليم التي اعتنقوها مبدأ وسلوكا، فلا عجب أن يعترف الواحد منهم بجرمه كي يطهر نفسه ولو كان في ذلك قضاء على حياته، لأن مراقبة الله سبحانه وتعالى تمكنت في قلبه ويعلم أن دنياه فانية وأن الدار الآخرة هي الباقية، ويؤمن بقوله تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} .
تمتع المسلمون وهم على هذا النهج القويم بالقوة والمنعة، ودانت لهم الدنيا وملكوا العالم وسادوا الشعوب، ومكن الله لهم في الأرض وتحقق وعد الله القائل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} .
ودار الفلك دورته وعاد الإسلام غريبا كما بدا.
وهذه الفرية نعيشها اليوم في عصر العلم وغزو الفضاء!!!
فمع التفوق العلمي في جميع ميادين الحياة نشاهد طغيان المادة على القيم والمبادئ، كما أننا نلمس أن الغرائز كانت سببا في إضلال عقول الناس لبعدهم عن غذاء النفس وتقويتها، فكان التصدع بين الأفراد والجماعات وبين الدول والشعوب نتيجة ظلم الإنسان للإنسان، وتعدي الجماعة على الجماعة.
في هذا الجو المكفهر المشحون بالمخالفات يتحقق فينا ذلك الحديث الصحيح الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"بدأ الإسلام غريباً ثم يعود غريبا كما بدا فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس ".