وإذا كانت كلمة التوحيد باب الإسلام، فإن توحيد الصفوف سر المحافظة عليه والإبقاء على مقوماته، والضمان للقاء الله بوجه متهلل، وصفحة مشرقة، والإسلام قد جعل العمل الواحد في حقيقته وصورته مختلفا في الأجر حين يؤديه الإنسان منفردا وحين يؤديه مع آخرين، إن صلاة الفجر وصلاة العشاء هي هي لم تزد شيئا حينما يؤثر المرء أداءها في جماعة عن أدائها في عزلة، ومع ذلك فقد ضعّف الإسلام أجرها وزاد في ثوابها بضعا وعشرين درجة، أو يزيد عندما يقف المسلم مع غيره لأدائها بين يدي الله.
وتأمل معي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ (الفرد) بسبع وعشرين درجة" متفق عليه.
وفي هذا حرص من النبي صلى الله عليه وسلم على الأخوة الإسلامية والوقوف مع الجماعة والانضواء تحت لوائها ونبذ العزلة، ودفع للمسلم إلى الانسلاخ من وحدته والاندماج في أمته.
وانظر معي وتأمل فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة (أي لا يحضرون الجماعة) فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء" متفق عليه. والعرق: العظم إذا كان عليه لحم.. والمرماة: ما بين ضلع الشاة من اللحم.
وفي هذا التهديد من رسول الإنسانية ومعلم البشرية سيد المرسلين وخير الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم ما يدعو المسلم إلى الامتزاج بالمجتمع الذي يحيا ويعيش فيه، فشرع الله الجماعة للصلوات الخمس اليومية ورغب في حضورها وتكثير الخطا إليها.