وهذا الارتباط بحدود المادة التي لم يشهد العلم حتى العصر الحاضر إلا القليل منها إن هو إلا موقف يشبه موقف الأعمى الذي ينكر وجود الألوان لأنه لا يراها، أو الأصم الذي ينكر وجود الأصوات لأنه لا يسمعها، أو موقف الحمقاء حبيسة القصر التي ترى أن الوجود كله هو هذا القصر الذي تعيش فيه، لأنها لم تشاهد في حياتها غيره.. فما حظ هؤلاء من العلم والأمانة العلمية ومطابقة الحقيقة والواقع؟ كذلك الملحدون لا حظ لهم من العلم والأمانة العلمية ومطابقة الحقيقة والواقع، إذ ينكرون الخالق جل وعلا ويصرون على إنكاره ولا يملكون دليلاً واحداً على نفي وجوده، قد يستخدمون عبارات ضخمة يستغلون فيها أسماء التقدم العلمي والصناعي وتطور مفاهيم العصر، والبحوث العلمية في المختبرات والمعامل للتمويه بها.. مع أن التقدم العلمي والصناعي لم يتوصل إلى قياس شيء من عالم الغيب، بل ما يزال عاجزاً عن قياس أمور كثيرة داخلة في العالم المادي الذي هو مجال كل أنواع التقدم العلمي الذي انتهت إليه النهضة العلمية الحديثة.
والعلماء الماديون الذين يستخدمون المعامل والمختبرات والأجهزة العلمية المتقدمة جداً.. يحاولون تفسير كل ما شاهدوه من ظواهر بنظريات استنتاجية يغررون فيها حقائق غير مرئية وغير مشاهدة، وهي بالنسبة إليهم وبالنسبة إلى أدواتهم ما زالت أموراً غيبية، ومع ذلك فإنهم يضطرون إلى إقرارها والتسليم بها، ويجعلونها قوانين ثابتة يقولون عنها إنها قوانين طبيعية.
وفي هذا الفصل يتناول ما يردده العظم من الحجة الشيطانية القديمة التي تقول في آخر سلسلة التساؤل: ومن خلق الله؟ ويناقش حججه المادية سارداً أقوال بعض علماء المادة مثل إدوارد كيسل الذي يقول:"أثبتت البحوث العلمية دون قصد أن لهذا الكون بداية، فأثبتت تلقائياً وجود الأدلة، لأن كل شيء ذي بداية لا يمكن أن يبتدئ بذاته، ولا بد أن يحتاج إلى المحرك الأول، الخالق الإله".