للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما إن انتشر خبر وفاته - صلى الله عليه وسلم - في الجزيرة العربية حتى اضطربت فيها الأمور وظهر المنافقون وذوو الأطماع في الزعامة والملك والرئاسة والمال، وقوي أمر من تكذب وتنبأ كمسيلمة الحنفي وطليحة الأسدي وسجاح بنت الحارث التغلبية، وارتدت القبائل العربية، ولم يبق مكان في الجزيرة العربية إلا وحدثت فيه فتنة وردة أو محاولة ردة، حتى إن اكثر أهل مكة هموا بالردة لولا أن الله سبحانه كفهم وخوّفهم بسهيل بن عمرو رضي الله تعالى عنه [٢] وقد اختلفت المظاهر التي اتخذتها ردة كل قبيلة، فمنهم من ادعى النبوة، ومنهم من تزندق، ومنهم من امتنع عن دفع الزكاة... وبقيت المدينة المنورة وحدها في وجه هذه الأمواج المتلاطمة من الفتن العاتية الطاغية.. فهي كسفينة في وسط بحر هائج متلاطم الأمواج يريد أن يبتلعها..

ج_ صدى وفاته - صلى الله عليه وسلم - لدى العلم الخارجي:

كان يسيطر على العالم خارج الجزيرة العربية إذ ذاك قوتان أو دولتان كبيرتان هما الدولة الرومية في الغرب والدولة الفارسية في الشرق، وتشكلان معسكرين متنافسين غربياً وشرقيا، تسيطر على الغربي منهما الدولة الرومية، وعلى الشرقي الدولة الفارسية.

وكان التنافس بينهما مستمراً ومنذ قرون وأجيال، إلا أنه توقف فجأة منذ أن أصبح للمسلمين كيان ودولة في المدينة المنورة تحت قيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصبح كل منهما يحسب لهذه القوة الناشئة ويستعد للانقضاض عليها، إنما ينتظر الفرصة السانحة، بل إن المعسكر الغربي الرومي بدأ يتحرش بالمسلمين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت غزوة تبوك ومؤتة، فلما توفي الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن ينتهز هذه الفرصة لكن جيش أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - كان له بالمرصاد.