ومن أعجب العجب، أن ينتهك ستار الأخلاق والأدب، بأن يلجأ الداعية إلى ترديد القديم البالي من الخطب، فكأنما يصيح بلسان غير لسان عصره، ويقدم العظة لغير أهله ومصره، وكأني بأحد الجالسين يناشده ويعارضه: يا أخانا.. قد حفظنا ما تقول منذ سنين ونسيته! فكيف بالله تنسى اليوم ما قلته بالأمس، ولو شئت لرددناه على مسامعك حتى تغرب الشمس! فغير يا هذا من أسلوبك، واشتغل عن عيبنا بإصلاح عيوبك! وقوّم لسانك وبيانك، فإن اللسان هو ترجمان القلب، وبقدر ما يكون فؤادك تقياً نقيا يكون أسلوبك في الدعوة مؤثرا وقوياً!
واعلم يا أخي رعاك الله وهداك وجعل الجنة مثواك، أن البلاغة في الإلقاء الديني ليست في الأصل تدريباً للسان أو تطويعاً للبيان بقدر ما هي تنقية للقلب وتهذيب لجوارح الإنسان، نعم وإلا فخبرني: كيف ينطق الداعية بما ليس فيه؟ وكيف ينهاك عن المنكر ثم يأتيه؟ إنه والله إذن لمأفون مفتون، وتأمل ما في قول الإله القاهر من سرّ باهر {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} أولست تعلم أن الإيمان دائماً يقترن بالعمل الصالح في كتاب الله الأقدس؟ فكيف بمن نصب نفسه للدعوة إلى الله عز وجل؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} .