للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

((الحكمة)) .. جوهرة الداعية.. ويتفرع عن الإيمان بهذه الحقيقة أن يتفهم الداعية نفوس مريديه، فلا يلصق نفسه بهم وقد وهنوا أو سئموا، ولا يتخلى عنهم وقد رغبوا وطلبوا.. ولا ينبغي أن ننسى كيف عاتب الله نبيه من فوق سبع سموات في شأن عبد الله بن أم مكتوم، ذلك الأعمى الذي جاءه يسعى وهو يخشى {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} .

ومن أخطاء الدعاة أن يشنوها حرباً شعواء على مخالفيهم في الرأي أو المذهب أو العقيدة، وينسون أو يتناسون ضرورة التطبيق العملي لتوجيهات القرآن المجيد {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} ، {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} وكم من دعاة أخفقوا في مسعاهم بغلظ طباعهم، وخشونة مسلكهم، وكان يمكنهم أن يؤلفوا حولهم القلوب، ويفوزوا دائماً بالمطلوب وينالوا الثواب المرغوب، ولهذا كانت وصية الله تعالى لموسى وهارون حين وجههما إلى فرعون {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} ، ولم يمدح الله نبيه محمداً بمال أو جمال بل بحسن الخلق {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ، {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك} .

وما لي لا أجذب ناظريك إلى الكفاح المضني الذي ناء به محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يسوس الناس أفضل سياسة، ويعامل الحضري والبدوي منهم بلطف وكياسة، أفلا يكون لنا قدوة في رسول ربنا وهو الذي جمّله الله بحميد الفعال وكريم الخصال؟