للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما أكثر ما أنشدت هذه الأبيات التي تتحدث عنك، وما أكثر ما ردّدت هذا الشعر الذي يصور نزاعاً فيك، زوجة تحرص عليك وتضن بك، وتحبك حباً جماً ولا تطيق فراقا، وزوج يعدّك ماله ينتفع بك، ويراك نصيبه حين ينفقك، أما حين يحبسك ويغلق دونك الأبواب فلست له مالا، وإنما أنت مال أناس آخرين ستأتيهم برداً وسلاما، دون أن ينصبوا فيك أو يدأبوا لك أو يقوموا عليك قياما.

وقد تسألني وتقول: وما قضاؤك لو قضيت؟ أي الزوجين كان على حق؟ وأي الرأيين كان صواباً؟

أما عقلي فمع الرجل، وأما هواي فمع المرأة، ويا لله من ذاك الهوى!!

لقد أفسدت عليّ أيها المال حياتي، أفسدت عليّ ديني، وأفسدت عليّ خلقي، وسلبتني الرأي، وباعدت ما بيني وبين الكتب.

شتان ما حالي وقد حرمتك، وحالي بعد أن عرفتك وذقتك، كان لي قبل أن أراك رأي أقوله لا أبالي فيه العواقب ولا أخشى الثبات، أرى الباطل فأقول هذا باطل، واسمع المفتري فأناديه يا ذا الإفك والبهتان، وأحضر مجالس المنافقين والمرائين فيكون لي فيها رأي لا يطيب لهم سماعه، كنت قبل أن تقوم بيننا هذه المودة أشتري بالقليل القليل الذي أجمعه منك كتب علم وأدب أوسع بها معارفي، وأصقل بها ذوقي، وأثقف بها نفسي، وأملأ بها سمعي وقلبي، كنت أفضل ذلك على أن أشتري بك أطعمة لذيذة يتمتع بها حسي، ويتضخم بها جسمي، ويتبلد بها ذهني، ويموت فيها نشاطي، كنت أفضل ذلك على أن أشتري بك ثياباً جديدة جميلة أختال فيها كما تختال الطواويس، وأميس فيها كما يميس الصغار والفتيان في ثيابهم الجديدة أيام أعيادهم السعيدة.