وعليه فموضوع فنّ البيان هو تلك الدلالات الخاصّة التي تنتظم أسرار الصياغة في جوّ الأساليب التي ينشئها الأدباء، تعبيرا عن أفكارهم، وتصويرا لعواطفهم، وهذه الأساليب تتفاوت وضوحا وخفاء، قوة وضعفا، وهي على تفاوتها وتنوّعها فقد حاول البيانيون المتأخرون حصرها في هذا الثلاثي:(التشبيه - المجاز - الكناية) وتلمّسوا لهذا الحصر ضوابط يبدو فيها التكلف، ويظهر عليها الافتعال؛ وآية ذلك اعتراف السكاكي المتوفى ٦٢٦هـ رائد الاتجاه التقريري الفلسفي في البلاغة بأن المطلوب بهذا التكلف هو الضبط [٢] ، ذلك أن البيان في نظره بمعنى: إيراد المعنى الواحد على صور مختلفة لا يتأتى إلا في الدلالات العقلية، وهي من معنى إلى معنى؛ بسبب علاقة بينهما؛ كلزوم أحدهما الآخر بوجه من الوجوه؛ فمرجع علم البيان: اعتبار هذه الملازمات بين تلك المعاني، واعتبار هاتين الجهتين: جهة الانتقال من ملزوم إلى لازم، وجهة الانتقال من لازم إلى ملزوم، وإذا ظهر لك أن مرجع علم البيان هاتان الجهتان علمت انصباب علم البيان إلى التعرّض للمجاز والكناية؛ ففي المجاز يكون الانتقال من الملزوم إلى اللازم، وفي الكناية يكون الانتقال من اللازم إلى الملزوم، وترى ذلك في الأمثلة المسوقة لهما، فلا علينا أن نتخذ المجاز والكناية: أصلين.
ثم إن المجاز أعني: الاستعارة من حيث إنها من فروع التشبيه لا تتحقق بمجرد حصول الانتقال من الملزوم إلى اللازم، بل لابدّ فيها من تقدمة تشبيه شيء بذلك الملزوم في لازم له تستدعي تقديم التعرّض للتشبيه، فلابدّ من أن نأخذه أصلا ثالثا ونقدِّمه، فهو الذي إذا مهرت فيه ملكت زمام التدرب في فنون السحر البياني [٣] .!!!!