وعندي أن هذا المذهب ضعيف مستبعد، وفيه كثير من التكلف، وليس هناك من تقارب بين اللفظ العربي ((تاريخ)) وبين الأصل الفارسي المدَّعى، وإذا لبعضهم أن هناك نوعا من تقارب، فليس هو عندي بالذي يسوغ الحكم بفارسية أصل هذه الكلمة، على أن التقارب في النطق بين لفظين –مهما كان قويا وواضحا- لا يعني بحد ذاته أن أحد هذين اللفظين المتقاربين مأخوذ من الآخر، بل لابد من ثبوت هذا الأخذ بالتقصي والدليل العلميين، ألسنا نجد في بعض اللغات كلمات متقاربة في النطق تقاربا يلفت النظر، ومع ذلك فلا يمكن لمجرد هذا التقارب أن يقال: إن هذه الكلمات مأخوذ بعضها عن بعض، ولأضرب لذلك مثلا كلمة ((نَيِّف)) بمعنى الزيادة، أو ((نايف)) بمعنى عالٍ مرتفع، فإنهما تتقاربان في النطق وكلمة ((KNIFE)) الإنكليزية التي تعني مدية أو سكينًا تقاربًا كبيرا، ولكن أيسوغ هذا التقارب وحده الإذعان بأن إحدى اللغتين العربية أو الإنكليزية قد (أخذت كلمتها عن الأخرى) ، دون توفر ((التقصي والدليل العلميين)) ؟
ولست أقول ذلك تعصبا مني من شعوب الإسلام على شعب آخر، إني –بحمد الله- من المسلمين إسلاما مطلقا لقوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[٥] .
ولقول رسوله صلى الله عليه وسلم:"لا فضل لعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس لآدم، وآدم من تراب"[٦] .
على أن ذلك لا يحرم الرأي العلمي حقه، بل يوفيه إياه، ويمنحه فسيح المجال على مستوى التفكير، والتعبير، والعمل.
والخلاصة أن كلمة ((تاريخ)) عربية الأصل، وأنها لغة شمالية عدنانية، لا جنوبية كما يقول بعضهم، ولها في لغات القبائل العدنانية جذرها ومأخذها الواضحان، ولها تصرف هذه القبائل بها تصرفها بأصيل كلامها... هذا هو التاريخ لغة، أما التاريخ حقيقة أو اصطلاحا، فإني مبينه فيها يأتي بمقدار ما يفتح الله سبحانه ويعين.