ويرى الخطابي أن هذا الوجه وإن كان في ظاهره قريبا إلا أن القرآن الكريم يضم من الآيات البينات ما تشهد بخلافه، من مثل قوله تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}[٢] .
ثم ينتقل الخطابي إلى تحليل فكرة أخرى رآها البعض وجها هاما من وجوه إعجاز القرآن وهي فكرة تضمن القرآن الكريم للأخبار والأحداث المستقبلة التي حدثت بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم وثبت صدقها وصحتها، فيقول:"وزعمت طائفة أن إعجازه إنما هو فيما تضمنه من الأخبار عن الكوائن في مستقبل الزمان نحو قوله سبحانه: {أَلَمْ غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ}[٣] ، ولقوله سبحانه:{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}[٤] . تلك الأحداث والأخبار التي ثبتت صحتها وحدوثها بعد عشرات السنين".
والخطابي لا يشك في أن هذا الأمر وما أشبهه من أخبار القرآن نوع من أنواع إعجازه، إلا أنه ليس بالأمر العام الموجود في كل سورة من سور القرآن فقد جعل الله سبحانه وتعالى في صفة كل سورة أن تكون معجزة بنفسها، لا يقدر أحد من الخلق أن يأتي بمثلها، فقال:{فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[٥] من غير تعيين أو تحديد، فدل سبحانه على أن المعنى فيه غير ما ذهبوا إليه.
وينتقل الخطابي بعد ذلك إلى مناقشة أشهر الآراء، وأكثرها شيوعا وهو الذي يذهب إلى أن إعجاز القرآن إنما يرجع إلى بلاغته.