من هنا تصدى الخطابي لتحليل موضوع بلاغة القرآن الكريم على طريقته، وحسب مفهومه لتذليل هذا الأمر عليهم، فنراه يذكر الأقسام الثلاثة للكلام المحمود ومراتبها في نسبة التبيان، ودرجاتها في البلاغة، "فمنها البليغ الرصين الجزل، ومنها الفصيح القريب السهل، ومنها الجائز الطلق الرسل، فالقسم الأول أعلى طبقات الكلام وأرفعه، والقسم الثاني أوسطه وأقصده، والقسم الثالث أدناه وأقربه فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة، وأخذت من كل نوع من أنواعها شعبة، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة، وهما على الانفراد في نعومتهما كالمتضادين، لذلك كان اجتماعهما في نظم القرآن فضيلة خص بها، يسرها الله بلطيف قدرته من أمره لتكون آية بينة لنبيّه، وإنما تعذر على البشر الإتيان بمثله لأن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وبألفاظها، ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ، ولا تكمل معرفتهم لاستيفاء جميع وجوه النظوم التي بهايكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض".
ويختم الخطابي تحليله لهذا الرأي بقوله:"إنما صار القرآن الكريم معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف، متضمنا أصح المعاني من توحيد الله له عزت قدرته، وتنزيه له في صفاته، ودعاء إلى طاعته، وبيان بمنهاج عبادته من تحليل وتحريم، وحظر وإباحة، ومن وعظ وتقويم، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وإرشاد إلى محاسن الأخلاق، وزجر عن مساوئها، واضعا كل شيء منها موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه، ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع من شتاتها حتى تنتظم وتتسق أمر تعجز عنه قوى البشر".