للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هنا يتبين أن العربية الذاكرة كانت قوية، ذلك أنه من سنن الله في خلقه أنهم إذا أكثروا من استعمال قوة من قواهم ازدادت قوة وحيوية، وقد مرن الصحابة منذ نزل الوحي على حفظ القرآن كما مرنوا على حفظ الأحاديث حتى بلغوا في ذلك حدا بعيدا وعلى هذا الأساس يمكن القول أن الذاكرة الواعية عند العرب منذ عصر الجاهلية أوجدت هذا اللون من الاستعداد الذي لم يعرف في تاريخ البشرية وأن الوثائق التاريخية الإسلامية في العصر النبوي اعتمدت على وسيلتين الكتابة والحفظ وأن القرآن الكريم امتاز على السنة بأنه حفظ بالوسيلتين وأن الوثيقة الشفوية المحفوظة كان لها نفس القوة في تاريخ النبوة من ذلك ما كان من بيعة العقبة الأولى والثانية فقد وجد الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه مضطرا حينما واجه جيش المشركين في بدر أن يشاور أصحابه وبخاصة الأنصار. . لأن البيعة الثانية التي على إثرها وبمقتضاها هاجر الرسول وهاجر أصحابه قد نصت على أن يحمي الأنصار رسول الله مما يحمون منه أزواجهم وأبناءهم داخل المدينة لا خارجها، ولم يطمئن الرسول حتى قال له سعد بن معاذ: والله لكأنما تريدنا يا رسول الله، قال: "أجل"قال: فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوا غدا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، ولعل الله يريك ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله.

الدكتور عبد الباقي قصة

كلية العلوم الاجتماعية

الرياض


[١] راجع الندوي: الرسالة ص ١٠٤.
[٢] راجع زاد المعاد لابن القيم.
[٣] راجع المأثورات للشيخ حسن البنا.
[٤] راجع مادة بابيل في الطبعة الحديثة من دائرة المعارف البريطانية.