ووجه الجمع: أن ما في السماوات والأرض من الخلق منه العاقل وغير العاقل, فغلب في الاسم الموصول غير العاقل, وغلب في صيغة الجمع العاقل, والنكتة في ذلك أنه قال:{بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وجميع الخلائق بالنسبة لملك الله إياهم سواء عاقلهم وغيره, فالعاقل في ضعفه وعجزه بالنسبة إلى ملك الله كغير العاقل. ولما ذكر القنوت وهو الطاعة وكان أظهر في العقلاء من غيرهم عبر بما يدل على العقلاء تغليبا لهم.
قوله تعالى:{قَدْ بَيَّنَّا الآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} . هذه الآية تدل بظاهرها على أن البيان خاص بالموقنين.
وقد جاءت آيات أخر تدل على أن البيان عام لجميع الناس كقوله تعالى:{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} وكقوله: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} . ووجه الجمع أن البيان عام لجميع الخلق, إلا أنه لما كان الانتفاع به خاصا بالمتقين خص في هذه الآية بهم لأن ما لانفع فيه كالعدم.
ونظيرها قوله تعالى:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} وقوله: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْر} الآية, مع أنه منذر للأسود والأحمر, وإنما خص الإنذار بمن يخشى ومن يتبع الذكر لأنه المنتفع به.
قوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْه} الآية. قوله تعالى في هذه الآية إلا لنعلم يوهم أنه لم يكن عالما بمن يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه مع أنه تعالى عالم بكل شئ قبل وقوعه, فهو يعلم ما سيعمله الخلق كما دلت عليه آيات كثيرة كقوله:{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} , وقوله تعالى:{وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} .