والجواب عن هذا أن الشهداء يموتون الموتة الدنيوية فتورث أموالهم وتنكح نساءهم بإجماع المسلمين, وهذه الموتة التي أخبر الله نبيه أنه يموتها صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في الصحيح عن صاحبه الصديق رضي الله عنه أنه قال لما توفي صلى الله عليه وسلم:"بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليك موتتين, أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متها"وقال: "من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات". واستدل على ذلك بالقرآن ورجع إليه جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التي ثبت في الحديث أنه يرد بها السلام على من سلم عليه فكلتاهما حياة برزخية ليست معقولة لأهل الدنيا, أما في الشهداء فقد نص تعالى على ذلك بقوله:{وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} , وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم:"تجعل أرواحهم في حواصل طيور خضر ترتع في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فهم يتنعمون بذلك", وأما ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أنه لا يسلم عليه أحد إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام وأن الله وَكَّل ملائكته يبلغونه سلام أمته فإن تلك الحياة أيضا لا يعقل حقيقتها أهل الدنيا لأنها ثابتة له صلى الله عليه وسلم مع أن روحه الكريمة في أعلى عليين مع الرفيق الأعلى فوق أرواح الشهداء فتعلق هذه الروح الطاهرة التي هي في أعلى عليين بهذا البدن الشريف الذي لا تأكله الأرض يعلم الله حقيقته ولا يعلمها الخلق كما قال في جنس ذلك {وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} ولو كانت كالحياة التي يعرفها آهل الدنيا لما قال الصديق رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم مات ولما جاز دفنه ولا نصب خليفة غيره ولا قتل عثمان ولا اختلف أصحابه ولا جرى على عائشة ما جرى ولسألوه عن الأحكام التي اختلفوا فيها بعده كالعول وميراث الجد والاخوة ونحو ذلك.