فالإيجاز: في نظره تقليل الكلام من غير إخلال بالمعنى، فإذا كان المعنى يمكن أن يعبر عنه بألفاظ كثيرة، ويمكن أن يعبر عنه بألفاظ قليلة، فالألفاظ القليلة إيجاز، وكدأبه دائما يجنح إلى التقسيم، فيقول: والإيجاز على وجهين: حذف وقصر.
فالحذف: إسقاط كلمة جزاء عنها بدلالة غيرها من الحال، أو فحوى الكلام.
والقصر: بنية الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف.
ومنه حذف الأجوبة: وهو أبلغ من الذكر، وما جاء منه في القرآن كثير، كقوله جل ثناؤه:{وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} كأنه قيل: لكان هذا القرآن.
كأنه قيل: حصلوا على النعيم المقيم الذي لا يشوبه التنغيص والتكدير.
وإنما صار الحذف في مثل هذا أبلغ من الذكر لأن النفس تذهب فيه كل مذهب. ولو ذكر الجواب لقصر على الوجه الذي تضمنه البيان، فحذف الجواب أبلغ من الذكر.
وأما الإيجاز بالقصر:
فهو أغمض من الحذف، وإن الحذف غامضا، للحاجة إلى العلم بالمواضع التي يصلح فيها من المواضع والتي لا يصلح، فمن ذلك {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاة}[١] ومنه {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}[٢] ومنه {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُس}[٣] ومنه {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ}[٤] وهذا الضرب من الإيجاز في القرآن كثير.