ولما تعجب الدهريون من كيفية بعثهم بعد موتهم جفاف عظامهم وتناثرها وتفرقها في جوانب العالم، يرد عليهم الخلاق العظيم أنه قادر على أكثر من ذلك، فإذا تحولت أجسادهم إلى حجارة أو حديد أو خلق مما يكبر في صدورهم، وقيل المقصود السموات والأرض والجبال لعظمها في النفوس، فالله ينشئهم من جديد، وهو فعال لما يريد {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} سورة الإسراء الآية ٤٩ – ٥١.
وكما أن لكل شيء نهاية، وأن كل المخلوقات فانية، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، وكذلك الجبال تسير إلى نهايتها المحتومة يوم القيامة {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} سورة النمل الآية ٨٨، {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} سورة الحاقة الآية ١٤، {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً} سورة المزمل الآية ١٤، {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} سورة القارعة الآية ٥.
فتصور يا أخي كيف تصير نهاية الجبال بعد أن ينسفها ربي نسفا، تصبح كالصوف المندوف في خفة سيرها حتى تستوي مع الأرض فتكون سرابا، إذ تمحى معالمها من الوجود فسبحان الذي يزيلها بقدرته وينهيها بعظمته:{وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} سورة الحشر الآية ٢١.