والفرد المسلم إزاء هذا العقل الجمعي عقل يقظ حذر، لا يذوب فيه، ولا يفقد استقلاله معه، ولا يهمل تقويمه وتصحيح الخطأ الذي يقع فيه، ولا يكون عاملا من عوامل تفتته:"المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا، ويشير إلى صدوره ثلاث مرات. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه" أخرجه مسلم. والمسلم لا يفقد الشعور بالمسؤولية أبداً.
إنه أمام خالقه مسؤول دائما وباستمرار عن نفسه، وعمّن يعول، مسؤول عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه, مسؤول عن إخوانه المسلمين أن يخالطهم ويعاشرهم ويعاملهم ويصبر على أذاهم:"المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" أخرجه ابن ماجه.
والمسلم في خِضَمِّ هذا العقل الجمعي كذلك لا يفقد اتزانه، ولا تهزمه حدة انفعالاته، حيث يقول صلى الله عليه وسلم "العجلة من الشيطان" أخرجه الترمذي وقال: حسن. ويقول أيضا "ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق" أخرجه أبو داود والترمذي وصححه.
من هذه الأدلة والنصوص يتضح الدور الخطير الذي قام به الإسلام في ترقية الجماعة البشرية والسمو بها فوق نظائرها من أتباع الملل الأخرى. ألا وإنّ روح الإسلام تسري في حنايا المجتمع المسلم فتضيء قلبه، وترشد حواسه وجوارحه إلى أمثل الطرق وأهدى السبل، فيسير على الجادة في غير عوج، ويصبح قدوة لغيره من المجتمعات الأخرى في المعتقدات وألوان السلوك المتعددة {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ، وسوف تتهذّب مسالك الشعوب والأقوام إذا تناولت هذا السراج الوهاج بروح الإنصاف، واستضاءت بما فيه من قِيَمٍ وأهداف, واستخرجت من أحكامه وحكمه الكنوز التي تفاخر بها أمة الإسلام غيرها من الأمم..