ومن هذين الغرضين ندرك أن القتال في الإسلام، لم يشرع لتوسيع سلطان أو الغلبة والقهر، أو استعباد الشعوب، واستنزاف خيراتها، ولو ترك المشركون يعتذرون على المسلمين، ويقاومون الدعوة, ويصدون الناس عن الدخول في دين الله, ولم يشرع القتال في الإسلام، لطغى الباطل على الحق، وتضرّرت البلاد، وطمست معالم الدعوة.. ولولم يشرع القتال في الإسلام.. لبقى العالم من أقصاه إلى أقصاه، يئنّ ويرزح تحت وطأة الجهل والظلم والاستعباد..
وشعار الحروب الإسلامية.. الحرص على السلام والأمن، لجميع بني الإنسان في هذا الوجود.. ومن هنا صار الجهاد بوجه عام، مبدأ من مبادئ الإسلام التي أخذت مكانتها بين عقائده وفروعه, واستقرت دعوة القرآن إلى الجهاد على عمومه، متعلقة بذمة المسلمين جماعة وأفرادا [٨] . ويقول صاحب البصائر [٩] : "الجهاد: الطاقة والمشقة، وقيل بالفتح: المشقة، وبالضم: الوسع. وقيل الجهاد ما يجهد الإنسان.. قال تعالى في سورة التوبة:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِم} أي حلفوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم..
والاجتهاد: أخذ النفس ببذل الطاقة, وتحمل المشقة في العبادة، يقال: جهدت رأيي واجتهدت: أتعبته بالفكر والجهاد.. والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو. وقال صلى الله عليه وسلم: "المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله" [١٠] ..
وقد يطلق الجهاد, ويراد به معنى يشمل القتال وغيره، كالجهاد بالمال في قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[١١] ..