وقد خطب عبد الله بن رواحة في جنده يشجعهم على لقاء العدو، حينما فزعوا من كثرة عَدده، وعُدده في غزوة مؤتة فقال: "يا قوم إن التي تكرهونها لهي الشهادة التي خرجتم تطلبونها، والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد، ولا بكثرة سلاح، ولا بكثرة خيول, ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به.. انطلقوا, فوالله لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا إلا فرسان, ويوم أحد ما معنا إلا فرس واحد.. انطلقوا, فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور عليهم فذلك ماوعدنا الله ورسوله, وليس لوعده خلف..وإما الشهادة فنلحق بالإخوان، نرافقهم في الجنان" [١٤] .
وروى الواقدي عن أبي هريرة قال: "شهدت يوم مؤتة, فلما دنا المشركون منّا رأينا ما لا قبل لأحد به من العدة، والسلاح، والكراع، والحرير، والديباج، والذهب.. فبرق بصري, فقال لي ثابت بن أرقم: يا أبا هريرة: كأنك ترى جموعا كثيرة؟ قلت: نعم. قال: إنك لم تشهد بدراً معنا, إنّا لم ننتصر بالكثرة" [١٥] .
والأمثلة من واقع صفحات التاريخ الإسلامي كثيرة، وكلها تشهد لجنود الجيش الإسلامي بالصدق والإيمان. فما كانوا يرهبون الردى، يقدمون غير هيابين، ولا وجلين, على حد القائل:
على أيّ جنب كان في الله مصرعي
ولست أبالي حين أقتل مسلما
فلم ينظروا إلى كثرة جنود الأعداء، وحتى لو عرفوا, فما كان يحملهم ذلك على التراجع أو التردد.. وفي الوقت نفسه كان لهم من إيمانهم بالله، وثقتهم في النصر.. كان لهم من ذلك ما يدفعهم إلى الإقدام, وهم على حد قول محمد إقبال:
سرنا على موج البحار بحارا
كنا جبالا في الجبال وربما
لم نخش يوما غاشما جبارا
كنا نقدم للسيوف صدورنا
قبل الكتائب يفتح الأمصارا
بمعابد الإفرنج كان أذاننا
سجداتنا والأرض تقذف نارا
لم تنس إفريقيا ولا صحراؤها
تنبت من حولنا الأزهارا
وكأن ظل السيف ظل حديقة