فأقول: ولقد صدق العلامة محمود شكري الألوسي في كتابه (غاية الأماني في الرد على النبهاني) إذ قال رحمه الله تعالى: "فإن الرجل جاهل - أي يوسف النبهاني - كما ستعلمه من رد كتابه هذا, سقيم الفهم بأخبار العدول الثقات ورواية الصادقين من الرواة، وما نشره من هذيانه الصريح، أعدل شاهد على ذلك, وأصح دليل على ما هناك, فضلا عما ذكره فيه جهابذة العصر الذين رأوه, وخالطوه، وعرفوا حاله، وشاهدوا أعماله.."، ثم ذكر فيه بقية الكلام [٩] قلت: الآية التي ساقها النبهاني من سورة الأحقاف وهي قوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} إنّ هذه الآية نزلت بمكة تصف حال المشركين الذين كانوا يعبدون الأصنام, وهي اللاّت, والعزى, والهبل, وغيرها من الأصنام, والآية تحكي قصة حال المشركين، وعن سفاهة عقولهم، وفساد فطرتهم إذ كانوا يدعون من دون الله تعالى هذه الأصنام, وإن كانت عبادتهم، ودعاؤهم لم تكن مقصودة لها، لأنهم اتخذوها علامات، وشعائر لأصحابها, لكي يتصوروا وجودهم عن طريق هذه الأجسام الحجرية عند الدعاء والاستغاثة بهم، ولقد أخرج الإمام البخاري في الصحيح، وكذا ابن المنذر وابن مردويه في تفسيرهما عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:"صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العربِ بعدُ، أمَّا ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سُواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني عطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان, وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع, أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا، وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت"[١٠] . قلت فهذه الرواية الصحيحة تزيل شبهة قوية تمسك بها النبهاني, ومن سار