تعالى:"وقال بعضهم: بل المراد عبدة الملائكة وعيسى؛ فإنهم في يوم القيامة لمظهرون عداوة هؤلاء العابدين". قلت: هذا المعنى هو الصحيح؛ لأنه يؤيده قوله تعالى {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} , وكيف يعقل وصف الأصنام وهي جمادات بالغفلة, وكيف جاز وصف الأصنام بما لا يليق إلا بالعقلاء؟ وهي لفظة (مَنْ) , وقوله {غَافِلُونَ} ، أجاب الإمام الرازي عن هذا الاعتراض مع ذكره بقوله:"قلنا إنهم لمّا عبدوها، ونزّلوها منزلة من يضر وينفع صح أن يقال فيها إنها بمنزلة الغافل الذي لا يسمع، ولا يجيب"، ثم قال: وهذا هو الجواب أيضا عن قوله: "إن لفظة (مَنْ) ولفظة (هُم) كيف يليق بها"قلت: مع منزلته العلمية الكبيرة في الإسلام وباعه الطويل في الكلام والفلسفة وغيرها من العلوم, لم يصب الإجابة الصحيحة إلا في آخر كلامه إذ قال رحمه الله تعالى:"وأيضا يجوز أن يراد كل معبود من دون الله من الملائكة, وعيسى, وعزير، والأصنام, إلا أنه غُلِّب غير الأوثان على الأوثان"[٢٠] . قلت: هذا المعنى الأخير الذي ذكره هو الوجيه والموزون لأنه أيده القرآن الكريم في مواضع كثيرة منها قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[٢١] قلت: فهذه الآية نص صريح على أنهم عبدوا عيسى عليه الصلاة والسلام، واستغاثوا به ودعوه في