وكان لرجل من المسلمين المستضعفين اسمه خبّاب بن الأرَت دَيْنٌ على العاص بن وائل من كبراء قريش فطالبه به فقال العاص: أليس يزعم محمَّد هذا الذي أنت على دينه أنَّ في الجنة ما يبتغي أهلها من ذهب وفضة وثياب؟ فقال خبّاب: بلى, قال: فأنظرني إلى هذا اليوم فسأوتى مالاً وولداً وأقضِيَك حقك فأنزل الله من سورة مريم في حقه {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً، أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً، كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً، وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدا}[٧] .
وكان عمار بن ياسر وصهيب وبلال وأمثالهم يعذّبون ليرجعوا عن دينهم، فمنهم من كان يكوى بالنار ليفتن عن دينه, ولكن هذه الأجسام قد تعاظمت على النواميس الطبيعية, فيمر بهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أباة صابرون لا يشكون ولا يضرعون فيقول لهم:"صبراً صبراً فإنّ موعدكم الجنة". وقد بلغ من فداحة التنكيل أن مات ياسر أبو عمار أثناء العذاب وسلّمت أمّهُ لأبي جهل كي يعذبها فلم يألها عذاباً وإيذاء إلى أن ماتت مؤمنة تحت أثقال العذاب.
وكان أمية بن خلف يعذِّبُ بلالا عذاباً يُنضِجُ الجلد ويشوي اللحم ثم يضع على ظهره صخرة ثقيلة ويقول له:"لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى"فلا يزيد بلالا إلا أن يقول: "الله أحد.. الله أحد". وهكذا كانت تستعذب الآلام على مرارتها لكي ينصر الحق ويطمئن الضمير، ويرضى الله, ولقد رضي الله وصدق وعده {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ، الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}[٨]
ولقد كانت عاقبة هؤلاء الطغاة عاقبة أليمة, فلقد قتل أبو جهل والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط, وكلهم ذليل مهين يخرّ لوجهه بين الأسنّة والروح الإسلامية.