ومَن مِن الناس لم يسمع بتهارش النسوة على فريد الأطرش، هذه تفضله، وتلك تفضل عليه، حتى ينتهي الأمر بينهما إلى التضارب بل إلى استخدام السكاكين.. أي والله السكاكين!..
واقع الغناء اليوم:
ونعود الآن إلى عبارات الشيخ..
إنه يقر الغناء في نطاق المباحات، إلاّ أن يعرض له ما يخرجه عن ذلك بأن يهيّج شهوة أو يدعو إلى فسق، أو ينبّه إلى شر، أو يتخذ ملهاة عن القيام بالواجب وطاعة الله.
والمفروض في فضيلته أنه ملمّ بروح عصره وبيئته، فلا يفوته واقع الغناء الذي أصبح فنّاً يجتذب الملايين، وله أساطينه الذين لا يقيمون وزنا لهذه الشروط التي أوردها, وها هي ذي أغانيهم المترددة على الألسن، مشحونة بالمهيّجات المفسدات الدافعات إلى كل شر وفسوق، لا تغطّي سوءاتها قصيدة في مدح الرسول، أو أنشودة في الحث على الجهاد.. أمّا إلهاؤها عن الواجب وطاعة الله فيسأل عنه جماهير المفتونين بها، الذين يترقبون فرص تلك المسجلات ليساهروها إلى ثلث الليل الأخير، دون أن يغمض لهم جفن، حتى إذا سكتت سقطوا في فرشهم مخمورين ذاهلين لا يعلمون، ما يعلمون وهم عن ذكر ربهم غافلون، وعن النهوض لصلاة الفجر - حتى لو أرادوها - عاجزون..
ثم هل نسي الشيخ حفظه الله أنّ الغناء الذي يسأله عنه السائل ليس هو ذلك العفوي الذي تستدعيه المناسبات المباحة، بل هو ذلك الفن الذي تعقد له الحفلات العامة، وتنفق فيه الأموال الطائلة، وتسخر لبثه أجهزة الدولة، ويعطي (الأرتيست) كل الفرص لاحتكار الثروات، وامتلاك العقارات، والوصول من الغنى إلى أعلى الدرجات! مما لا يحلم ببعضه عالم مكين ولا عامل أمين.. وهل نسي فضيلته أنّ جوابه، البعيد عن هذا الواقع، سيعطي دعاة هذا المجون فرصا جديدة لترويج سلعتهم، حتى في أوساط البسطاء من أهل الدين!.