والحق أنّ الأمر على خلاف ما يزعم غواة هذه الفنون، ولو صح بعض ما ادعوه للموسيقى من فضيلة لظهر في أخلاق الغربيين، الذين يعتبرونها غذاءهم النفسي، وعبادتهم اليومية..ومع ذلك فهم أقسى الخلق قلوبا، وأشدهم بغيا وظلما واستكبارا على عباد الله، واستهتارا بحقوق الضعفاء.. وقد حدث أن زميلا لي كان يتحدث ذات يوم عن الموسيقى حتى ليقول: إنها تجعل من وحشي الطباع إنسانا رقيقا رفيعا. وكان ذلك أثناء الثورة الجزائرية، وقد انطلق الوحش الفرنسي يدمّر الجزائر على رؤوس أبنائها، فقلت: لذلك ترى الفرنسيين يقتلون إخوانك على أنغام الموسيقى! ولمدمني الغناء المشغولين به يقربهم من الله - عياذا بال له- نقول: على رسلكم فاسمعوا إلى شهادة ابن مسعود رضي الله عنه في هذا الضرب من اللهو إذ يقول: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع [١] وأي نفاق أكبر من أن يسمع أحدهم كتاب الله يرتّل، وحديث رسوله يتلى فلا تحنُّ جوارحه ولا يوجل قلبه، ثم لا يتمالك أن يصعق - كابن أبي ربيعة - أو يكاد إذا مرّ بسمعه ترجيع غانية على لحن معزف!.
ولأنصار الغناء وعشّاق نجومه نقول أيضا: بوسعكم أن تستنصروا لقضيتكم بتلاميذ الفلسفة الإغريقية، وبإخوان الصّفا الباطنية، وبسيفا راقصة المعابد الهندية، وحتى بالحواة الذين يستخرجون الثعابين من جحورها بالمعازف والألحان الغنائية.. أمّا أن تحاولوا الاتكاء على الإسلام في ترويج بضاعتكم فجهد مهدور لا حصيلة له سوى الإخفاق ولو أفتاكم المفتون، وخدع بدعايتكم المغفلون..