فإنَّ صليل المشرَفيِّ له صَدَى
إذا صال فوق الطرس وقعُ صريره
أقرأت – يا صديقي - كيف يكون الوفاء والسناء؟ إنه مَجْدٌ وأيُّ مجد.. وإنّي لأحس الآن أنك تطالبني بمزيد من الحديث, وأن أسير مع قطرات الضوء إلى موقف آخر, وشخصية أخرى. ولكني لا أريد أن أكدّر خاطرك, أو أعكر وجدانك. فسأعبر بقطرات الضوء تلك العصور الخامدة الهامدة, التي خفقت فيها أضواء المعرفة, وانزويت في غياهبها إلى حين. وأنا أتطلع إلى فكر يقظ، وبيان رائد, وإيمان يمسح عن عينيه الظلام والإحجام, ويشق حجب الأوهام والآثام, ليُطْلعَ فجر الحقيقة, الذي يزيل الأباطيل ويمحو الأضاليل, ويكشف عن جوهر المسلم السليم المستقيم, الذي يلتقي مع خالقه بالضياء واليقين, ويخوض من أجل دينه ملاحم الجهاد والاستشهاد، هكذا كنت أنْظرُ إلى عصور الاستعمار والاستعباد، ويدفعني الشوق إلى أن أقوم برحلة داخل الأفكار والأبصار، لعلني أصل إلى ملاذ في طريق الإنقاذ.
وقد كان وبدأ ركب الإصلاح يظهر هنا وهناك، حتى بدا فلق الصبح, وظهر الطريق واضحا صريحا, وبدا النبع المحمدي عذبا سائغا، فقصده المسلمون، ينهلون منه، ما يُرْوي البصائر, ويَشْفي القلوب, ويضيء الضمائر, ويدعو الناس في مشارق الأرض ومغاربها إلى مورد الصدق واليقين.
وهنا ألتقي بأحد العلماء [١٨] الشعراء يتحدث عني, ويذكر أثري في صحوة الحياة حين تمضي قطرات الضوء فتهز النفوس والرؤوس. وحين تدُقُّ أبواب الظلام فتذوب وتزول. ثم حين أقصد إلى الفتن فأطفئها أو أهدِّمُها، وحين أريد أن أشنها حربا أحيل مدادي دما, وحين أريد أن أجعل الدنيا زهرا وعطرا تبتسم فيها أضوائي على فم الزمان, وتبصر السعادة ثمارا تملأ الأعين أفراحا, والأرواح متعة ومِرَاحاً, وحين أبعد بأضوائي تجد الحيرة على الوجوه وتبصر العقول تكاد تزِل وتَضِلّ, وأنا دائما أحمل نضارتي ورونقي بين البستان أو فوق البنان.